الربيع المصري و الخريف البورسعيدي

مصر..الشارع المحتقن

            
الشعب يريد إسقاط النظام..شعار لطالما تردد على مسامعنا على مدى ثمانية عشر يوما..إنها الثورة المصرية.
الثورة المصرية لم تكن للشعب المصري فقط, بل كانت ثورة إجتمع حولها جميع العرب من المحيط الى الخليج.فمصر هي قلب العروبة النابض الذي يضخ دم الوحدة العربية.إمتلئ ميدان التحرير بالمتظاهرين والكل إتفق على ضرورة إسقاط الإستبداد والتوجه نحو الديموقراطية والإنفتاح.كانت الأعداد بالملايين في مشهد لم يشهده العالم العربي منذ عصور..ومع الإصرار والصمود في الميدان والرغبة في التغيير..ما هي إلا أيام قليلة حتى سقط النظام.

وكانت الحصيلة,مئات من الشهداء وعدد كبير من الجرحى الذين ضحوا بأنفسهم لأجل الحرية كي تعود مصر إلى موقعها الطبيعي كقلب للأمة العربية.والجميل أنه كلما كان يسقط شهيد أو جريح,كنا نسمع أبناء مصر يقولون "لو يسقط منا مليون فذلك يهون طالما أن هدفنا هو الحرية ووحدة هذا الشعب".كلمات جعلتنا نشعر بالإطمئنان لشدة الوعي الموجود عند الشعب المصري و دفعتنا كلنا للشعور بأن ثورة مصر هي ثورة كل حر على وجه هذه الارض.

ومرت الأيام..كلنا تفائلنا بالخير وراهنا على وحدة الشعب المصري خاصة أن ما رايناه في الميدان ما بين المسلمين والاقباط خلال فترة الثورة مشهد أسعدنا كثيرا.لكن سرعان ما عاد الحزن إلينا.فما هي الا أشهر قليلة حتى إندلعت أحداث بين الطرفين ذهب ضحيتها مئات من القتلى.ومع ذلك كنا نعود للتفاؤل,وكنا نقول دائما:سيكون ذلك بألتاكيد شيئا لن يتكرر ودرسا لن ننساه.إلا أنه وللأسف عدنا لمسلسل الشارع. وكانت أخر الحلقات بورسعيد.
فالذي حصل بألتاكيد أكبر من خلاف في مباراة بين فريقين وأكثر من إستفزاز طرف لاخر..إنها الفتنة.

تسارعت السيناريوهات المطروحة حول الحادثة,والتوقعات ذهبت إلى أبعد من فكرة خلاف ما بين المشجعين.فهناك من قال أن الأمر كان مدبرا مسبقا وأن قوات الأمن هي من سهلت دخول المشاغبين إلى الملعب,وقيل أن الشرطة كانت على علم بوجود أسلحة بيضاء بأيدي المشاغبين,لكن المبكي المضحك أنها بقيت مكتوفة الأيدي لحظة وقوع الإشتباك وكأن شيئا لا يحصل. والجدير بالذكر أن قوات الأمن كانت قد انسحبت من المحيط الخارجي للملعب قبل وقت قصير من وقوع الحادثة.وقال بعض شهود العيان" أن أفرادا من قوات الأمن كانوا يحفزون الجماهير على ضرورة العودة للملعب بهدف أخذ "الثأر".
 قد يكون تصرف الشرطة بهذا الشكل سببه نية الحكومة المصرية اعادة حالة الطوارئ إلى البلاد, بعد ان كانت قد رفعت قبل عدة أيام.خاصة وأن وزير الداخلية محمد ابراهيم كان قد أعلن أمام الحكومة قبل أيام عن ضرورة اعادة حالة الطوارئ إلى .وبذلك يقول البعض أن الأحداث كانت مدبرة بهدف إيجاد مبرر لإعادة حالة الطوارئ.

وعلى أي حال, فمهما كان السبب وراء الحادث فمن المؤكد أن الأمور مرجحة للإزدياد يوما بعد يوم, وأن الأوضاع ذاهبة للتعقيد أكثر فأكثر .ولعل أن قرار تعليق الدوري المصري خير  دليل على ذلك ,خاصة وأن الامور خرجت عن سيطرة الدولة كما هو واضح ,فما حصل في تلك المباراة قد يحصل في غيرها لأن الشارع المصري أصبح محتقننا فعلا.
وفي ظل ذاك القرار ,جاءت دعوة مجلس الشعب للأنعقاد في خطوة  لن تقدم ولن تؤخر, فإجتماع كهذا لن يهدئ النفوس.

و مع أن بعض القرارات بالإقالة قد تفيد في حل الازمة, إلا أن الحل الأنسب قد يكون بفتح تحقيق يهدف إلى كشف الحقائق و تحميل المسؤوليات لأصحابها شرط أن تتمتع التحقيقات بالشفافية التامة.كما وأنه لا بد اعادة ترتيب البيت المصري ,لأن الواضح أن الثورة أسقطت رأس الهرم, في حين أن ذيوله بقيت في السلطة لتتعامل مع الأمور بنفس الذهنية التي كانت مسيطرة في عهد الحكم السابق.

في النهاية يبقى سؤال يطرحه الكثيرون بعد تلك الحادثة وهو: هل أن الشعارات التي رفعت في ميدان التحرير كانت نتاج وعي أم نتاج ضياع لا أكثر؟؟؟


بلال نور الدين. 


                                                    
                                                                                                                 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مالك مكتبي.. التمثيل يليق به أكثر

عن بلد العجائب لبنان..

السودان: حظوظ نجاح الثورة الشعبية